‏إظهار الرسائل ذات التسميات في الثقافة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات في الثقافة. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

علم النفس الرقمي

يوما بعد يوم تتغلغل الانترنت في حياتنا، لتستحوذ على رقعة متسعة من نشاطاتنا اليومية، فتكون بديلا للحياة الإنسانية الواقعية, فالانترنت لم تعد محض مصدر للمعلومات، فقد حولتها إمكانات التفاعل والاتصال إلى وسيلة من وسائل الحياة المفعمة بالأنشطة الإنسانية من فنون وأعمال وتجارة وعلاقات فردية وجماعية.
من الواضح أن مستخدمي شبكة الانترنت أصبحوا يشعرون بالانتماء إلى مجتمع جديد، وهو ما كان يسمى المجتمع الافتراضي، ونرى إنه لم يعد افتراضيا، بل يتصف بالكثير من الواقعية ولذلك فضلنا تسميته المجتمع الرقمي.
يشترك المجتمع الرقمي مع المجتمع الطبيعي بالكثير من الصفات، فهو مجتمع متكامل يمكن فيه دراسة الفرد وطبائعه وسلوكه الشخصي، كما يمكن دراسة العلاقات الاجتماعية وخصائصها، وفيه الأنشطة الجماعية التي تتيح دراسة سلوك الفرد داخل الجماعة والحركة الجمعية والقيادات وأساليبها، كما أن المجتمع الرقمي مجتمع منتج للفنون والآداب، ومجتمع اقتصادي فاعل إذ أصبحت المليارات من الدولارات تتدفق عبر هذا المجتمع بين البنوك الألكترونية والمتاجر الرقمية، مما أدى إلى نشوء نمط جديد من علاقات الإنتاج.
تختلف الطبيعة الديموغرافية للمجتمع الرقمي كثيرا عن المجتمع الطبيعي، فالفرد في المجتمع الرقمي يمتلك القدرة على خلق البيئة التي توفر له الراحة والفائدة، فبإمكانه اختيار الأشخاص الذين يتعامل معهم ويضعهم في قائمة (الجات chat) مثلا ليكون كالجيران في المجتمع الطبيعي، يراقبهم من النافذة ويرى متى يكونون متواجدين ليتعامل معهم، كما يمكنه حجب كل الأشخاص الذين لا يرغب بالتعامل معهم، كما أن (المفضلة Favorites) تمثل وسيلة أخرى لخلق البيئة المرغوبة من خلال تحديد المواقع التي يدخلها الفرد يوميا.
يمكن القول أن المجتمع الرقمي يقع في منطقة بين الحلم والواقع، فهو حلم إرادي يتيح للفرد أن يكون ما يتمنى هو لا ما حكم عليه المجتمع الطبيعي أن يكون، فبإمكانه أن يختار لنفسه اسما جديدا يتمناه وعمرا مثاليا وصورة يرغب فيها، بل إنه يستطيع حتى تغيير جنسه إن رغب في ذلك. وهذا ما يتيح للفرد شكلا من العلاقات الاجتماعية لا يمكن مقارنته أبدا بالعلاقات في المجتمع الطبيعي، فالأسس والضوابط والوسائط مختلفة تماما.
ومن أجل التوضيح فقط يمكن أن نشبه الحاسوب الشخصي بالمنزل الشخصي، إنه مكانك الذي فيه ممتلكاتك وأسرارك الشخصية، وهكذا يمكن أن ننظر إلى برامج المحادثة كما لو كانت غرفة الضيوف في المنزل يمكنك أن تستقبل فيها الأصدقاء والشخصيات التي يربط بينك وبينهم عمل ما، وكما في المجتمع الطبيعي لا يستطيع هؤلاء الضيوف رؤية ما في منزلك خارج هذه الغرفة الا بإرادتك، ولكن على الضد من المجتمع الطبيعي لا يستطيع الضيوف رؤية بعضهم البعض الآخر.
كما يمكن النظر إلى المستعرضات (Explorers) على أنها البيئة العامة التي تشمل الطرقات والأسواق والمدارس والمنتديات والمكتبات وأماكن اللهو والتسلية والتنزه.
وكما في المجتمع الطبيعي تتنوع أنماط السلوك في المجتمع الرقمي فهناك الأسوياء والعصابيون والمنحرفون، هناك المتفائلون والمتشائمون، الشخصيات المرحة والكئيبة،...... وليس بالضرورة أن تتطابق الشخصية الرقمية مع الشخصية الطبيعية للفرد نفسه فهناك الكثير من الأفراد الذين استطاعوا أن يخلقوا شخصيات لهم أصبحت مشهورة على الشبكة بينما هم مغمورون في المجتمع الطبيعي، وهناك الكثير من الأسوياء في المجتمع الطبيعي يعيشون في المجتمع الرقمي بشخصيات منحرفة.
ثمة مظهران من مظاهر المجتمع الرقمي السيكولوجية لابد من الإشارة إليهما، أما الأول فهو إمكانية التنكر، أي تقمص شخصية أخرى لا علاقة لها بالشخصية الطبيعية ويتيح هذا إمكانية ظهور المحتالين التي تمثل ظاهرة الرسائل المزعجة (SPAM) المثال الأبرز عليها.
وأما الثاني فهو إمكانية التخفي (Anonymity) وهي مختلفة عن التنكر وتعني امكانية تنقل الفرد في الفضاء الرقمي من غير أن يكون مرئيا، وتتيح هذه الإمكانية حدوث الجريمة الرقمية وظهور القراصنة واللصوص الرقميين. وهكذا يكون بإمكان شخص متخف الدخول إلى منزلك (حاسبتك الشخصية) والعبث بمحتوياته، وربما يسرق هويتك (بياناتك الشخصية) ويظهر في المجتمع الرقمي بها ويراسل الآخرين باسمك ومن بريدك الشخصي الذي سيطلع عليه ويكشف من خلاله كل علاقاتك الشخصية.
تقوم الكثير من محركات البحث التي أهمها (google و yahoo) بجمع المعلومات عن المستخدمين من خلال ما يبحثون عنه فيها، وتستفيد من هذه المعلومات في أنشطة قد يعد بعضها تعديا على الخصوصية الفردية، فمن خلال ما تبحث عنه يستطيع محرك البحث دراسة رغباتك ويقوم بعرض الاعلانات التجارية التي تستهويك، كما أنهم يوفرون تلك المعلومات التي يجمعونها للمنتجين لدراسة رغبات مجتمع المستهلكين.
تمثل المنتديات على الشبكة مثالا جليا للأنشطة الجماعية، حيث يظهر فيها سلوك الأفراد الرقميين عندما يكونون داخل جماعة، وهنا تظهر شخصيات كارزمية لها قابليات قيادية وشخصيات أخرى تمثل الجمهور المقاد، وتظهر شخصيات اجتماعية قادرة على الاندماج السريع والتفاعل مع الجماعة وشخصيات أخرى صعبة المراس، شخصيات لبقة تتمتع بلياقة محببة وشخصيات مزعجة منفرة، شخصيات تقيم علاقات صداقة علنية في المنتديات وشخصيات تبحث عن الأبواب الخلفية لتقيم علاقات سرية غير مرئية من قبل الجماعة.
ما أردناه في هذا المقال إثارة موضوعات يمكن أن تشكل حقولا للدراسة لتأسيس علم النفس الرقمي الذي لم بشر اليه على أنه علم مستقل إلى الآن، والمقال دعوة للمختصين بالدراسة السيكولوجية للبحث في هذا الميدان.

الأحد، 16 أغسطس 2015

الأدب الرقمي وأفق التلقي.. متى يصبح الأدب الرقمي أمرا واقعا؟

لا تبدأ تجربة القراءة، ونحن نُقبل على قراءة نص ما، من لحظة مواجهتنا لذلك النص. بل هي حلقة متصلة بسلسلة طويلة تتألف من كل التجارب القرائية السابقة التي مررنا بها وشكلت خبرتنا في القراءة. فالقارئ – أي قارئ- يكون قد طوّر أنساقا معينة للتلقي تزداد رسوخا كلما تمرّس في القراءة، منها أنساق اجتماعية يتفق عليها مجتمع القراء، ومنها ما هو فردي تتميز به تجربة كل قارئ بصفة شخصية.
فأما الأنساق الاجتماعية فهي تلك المتعلقة بجنس النص، إذ أن هناك عقدا بين مجتمع القراء والمنشئ على أصول محددة ترسم حدود الجنس الكتابي. فحين نُقبل على قراءة قصيدة مثلا فنحن نفعل ذلك وقد هيئنا أنفسنا لتلقي شكل محدد من اللغة، وأنساق معينة من الجمل، وأنظمة صوتية اعتدنا مواجهتها في الشعر.
بينما نكون قد تهيئنا لنسق آخر من التوقع حين نكون مقبلين على قراءة قصة قصيرة، إذ نتوقع شخصية ستكون مركز الموقف القصصي، وأنظمة محددة لمعالجة الزمان والمكان.
ويختلف الأمر مع أي جنس كتابي آخر، فالرواية والمسرحية والمقال السياسي وغيرها نتلقى كلا منها بعد أن نكون قد حصرنا أفق التلقي في ما نتوقعه من أنساق يتفق عليها مجتمع القراء في ذلك الجنس المعين.
وأما الأنساق الفردية فهي تلك التي تتكون في وعي القارئ الفرد اعتمادا على تكوينه الثقافي ورغباته وميوله. فقد يمتلك قارئ ما خبرة في تلقي الشعر أكثر من النثر، وقد يميل قارئ آخر إلى قراءة قاصّ معين أكثر من غيره لأنه استطاع أن يفهمأسلوب معالجاته اللغوية. فضلا عن أن اللغة ذاتها بوصفها مفردات وتراكيب نحوية لها تاريخ شخصي في وعي أي قارئ يختلف عن ما هو عند غيره.
يقع القارئ المتمرس تحت سلطة أفق التلقي أكثر من الآخر الأقل مراسا،فهو حين يقبل على قراءة نص لكاتب معين سيتوقع منه ما عرفه عنه من نصوصه السابقة، فحين أتوجه لقراءة نصّ لصلاح عبد الصبور مثلا، فأنا أتوقع أنماطا لغوية تختلف عن تلك التي أتوقعها في نص لبدر شاكر السياب، على الرغم من أن كليهما يكتب نصا منتميا إلى الجنس ذاته.
إن فكرة أفق التلقي لا تعني إطلاقا تقييد الكاتب بضوابط مقدسة لا يجوز الخروج عليها، فكلّ النصوص الإبداعية تقوم على إحداث الدهشة في وعي القارئ من خلال كسر أفق التوقع، بيد أن هذا الكسر يكون في نطاق محدد ترسمه حدود الجنس، ولولا هذه الحدود لما كان باستطاعة المنشئ توليد أية صدمة أو دهشة. والأمر هنا يشبه عملية بناء دار، فلا يمكننا توقع دار من غير جدران وسقوف وأبواب ونوافذ وإنارة وتأسيسات كهربائية وصحية، غير أن هناك ما لا نهاية من احتمالات التصاميم الهندسية التي تتوفر على هذه العناصر.
إن كل الأجناس الكتابية مبنية بطريقة يفرضها الوسيط الطباعي المتكون من الورق والأحبار. ويتم تلقيها على أساس طريقة الإنشاء تلك، فالقارئ يعرف أن النص سلسلة من الجمل لها بداية ولها نهاية، وأن عليه أن يتلقاها بطريقة خطية تبدأ بالكلمة الأولى فالثانية فالثالثة وهكذا حتى يصل إلى الكلمة الأخيرة التي يكون بعدها فقط قادرا على تصور البنية الكاملة للنص.
تغيب كل هذه الأصول حين يكون الأمر عملية تلقي نص رقمي: فهذا النمط الجديد من الإنشاء مبني على أصول تختلف تماما عن تلك التي تبنى عليها الأنساق الكتابية. فالوسيط الجديد (الحاسب الإلكتروني وفضاء الشبكة) يتيح أدوات أكثر تنوعا بكثير من تلك التي يتيحها الفضاء الكتابي. إذ باستخدام تقنيات الوسائط المتعددة Multimedia  يمكن أن يفيد النص من الألوان والصور وأشرطة الصوت والفيديو. كما تؤدي فكرة الترابط التشعبي Link إلى انهيار صورة التلقي الخطي الكتابية ذات المسار ذي الاتجاه الواحد، فالنص الرقمي بنية كتليّة، تتألف من مجموعة من الكتل النصية التي يمكن التنقل بينها اعتمادا على الروابط Links، فنقرة على زر الفأرة تنقل المتلقي إلى كتلة نصية جديدة قد تكون مختلفة في كل محتواها البنائي. وأدّى هذا التكوين الكتلي إلى أن يكون من المتعذر تصور العمل الأدبي الرقمي ببداية ونهاية كما هو الحال في النص الكتابي أحادي المسار.
كما أن نظرية الأجناس الأدبية التقليدية لا تستطيع تجنيس النص الرقمي بسبب الطبيعة الجديدة التي يقوم عليها، فرواية مثل (صقيع) للكاتب الأردني (محمد سناجلة) يصعب أن تنطبق عليها أصول علم السرد، إذ تدخل في بنيتها الصور وأشرطة الفيديو والموسيقى، فضلا عن الكثير من الكتل النصية الشعرية التي تظهر عند النقر على روابط معينة.
هذه الطبيعة البنيوية الجديدة تضع المتلقي بإزاء كيان جمالي جديد، لم يطوِّر بعد أفق التلقي الخاص به، فهو يقبل عليه من غير أن يمتلك خبرة التلقي التي توازي تلك التي يمتلكها وهو يقرأ نصا كتابيا، بل إن الخبرة القرائية التقليدية قد تؤدي إلى إرباك تلقي النص الرقمي حين تفرض أفق التلقي الكتابي على النص الرقمي.
من ناحية أخرى لم يستطع مجتمع القراء بعد أن يطور عقدا اجتماعيا جديدا يرسم أفق التوقع الخاص بالأدب الرقمي. وكل ما يحدث اليوم هو أن متلقي الأدب الرقمي يطأ أرضا مجهولة لا عهد له بها من غير أن يعرف قوانينها وضوابطها المحلية. وهو يطور تجربته الفردية ببطء نتيجة لصعوبة الانعتاق من ربقة الأدب الكتابي الخطي.
غير أن جيلا جديدا ينشأ على هذا النوع الجديد من الآداب والفنون. جيل يتآلف مع تقنية الوسائط المتعددة ويجيد استخدامها، ويستمتع بها أكثر من متعته بالقراءة الخطية للنصوص الكتابية. وعندما يصبح عمر هذا الجيل الجديد بحدود متوسط أعمار المتلقين سيكون الأدب الرقمي أمرا واقعا وليس محض ظاهرة تجريبية. وعندها سيتمكن هذا الجيل من تطوير نظرية أدب جديدة قادرة على بناء عقد اجتماعي جديد للتلقي وبناء أفق التوقع الخاص بالأدب الرقمي عبر نماذج رقمية قارّة.


الجمعة، 14 أغسطس 2015

الاعتراف بالأدب النسوي

أصبحت أحس أكثر من أي وقت مضى أن علينا نحن الأكاديميين أن نؤسس لنمط جديد من الدراسة النقدية يطور نظاما اصطلاحيا خاصا بدراسة (الأدب النسوي) ، فقد أصبح هذا النوع من الأدب ظاهرة طاغية في الأدب العربي المعاصر لا يمكن التغافل عنها ، وان كان مفهوم المصطلح لما يزل غائما وضبابيا ، وأنا أحاول في هذه المقالة مقاربة حدود (أدب المرأة) اصطلاحاً.
عرف الأدب العربي في عصوره القديمة نساء اشتغلن بالأدب وبالشعر خاصة، غير أننا لا نستطيع عدّ ذاك الأدب أدبا نسوياً ، فقد كانت المرأة تتقمص شخصية الرجل في أدبها ، وان لم تفعل ذلك فهي تصور المرأة كما هي في عين الرجال ولا تتجرأ على التعبير عن صورتها كما تراها هي، انظر مثلا أبيات الخنساء:
يا لَهفَ نَفسي عَلى صَخرٍ وَقَد فَزِعَت

خَيلٌ لِخَيلٍ وَأَقرانٌ لِأَقرانِ
سَمحٌ إِذا يَسَرَ الأَقوامُ أَقدُحَهُم

طَلقُ اليَدَينِ وَهوبٌ غَيرُ مَنّانِ
حُلاحِلٌ ماجِدٌ مَحضٌ ضَريبَتُهُ

مِجذامَةٌ لِهَواهُ غَيرُ مِبطانِ
سَمحٌ سَجِيَّتُهُ جَزلٌ عَطِيَّتُهُ

وَلِلأَمانَةِ راعٍ غَيرُ خَوّانِ


لا يمكن أن نعد هذه الأبيات في الرثاء من أدب المرأة ، فصفات المرثي ترد فيها ليست سوى تلك الصفات الكلاسية التي يتمناها الرجل في نفسه ، القوة والشجاعة والكرم، وليس فيها ما يعبر صدقا عن صورة المرثي كما تراها المرأة.
تقمص المرأة لشخصية الرجل في أدبها استمر قرونا طويلة ، ففي القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لم تستطع ألأديبات التخلي عن قناع الرجل، فهذه مثلا وردة اليازجي (1838-1924) تمدح نائلة شقيقة السلطان عبد الحميد:


يا ثغر بيروت البهيج تبسّمِ

وبحمد خالقك الكريم ترنّمِ
اليوم زارتك المليكة فاكتست

شرفا ربوعك بالطراز المعلم
هي أخت سلطان الأنام مليكنا

وسليلة الملك الهمام الأعظم
على الرغم من أن المادح والممدوح هنا كلاهما من النساء غير أن أسلوب الشاعرة كان أسلوب المديح التقليدي الذي لا يتصف بأية صفة تحملنا على عدّه من الأدب النسوي.
إن ما نريد تحديده أولا هو أن مصطلح الأدب النسوي لا يدل على كل النصوص الأدبية التي تكتبها المرأة ، ذلك لأن المرأة العربية كانت غالبا منجرة الى معالجة الهموم العامة التي يعالجها الأدب تقليديا ، ولم تهتم الأديبة العربية بالقضايا الخاصة بالمرأة الا في وقت متأخر من القرن الماضي.
تقول الاستاذة يمنى العيد )) أميل الى الاعتقاد بأن مصطلح الأدب النسائى يفيد عن معنى الاهتمام وإعادة الاعتبار الى نتاج المرأة العربية الأدبي وليس عن مفهوم ثنائي, أنثوي - ذكوري, يضع هذه النتاج في علاقة اختلاف ضدّي - تناقضي, مع نتاج الرجل الأدبي.))-اضغط لمشاهدة المصدر-وهذه نصف الحقيقة ، فالمصطلح لا يفترض هذه الثنائية اطلاقا ، غير أننا نختلف مع العيد في حصر المصطلح في قضية اخلاقية لا تعدو رد الاعتبار للمرأة الآديبة.
في السنوات الأخيرة ظهر نمط من الأدب لا يمكن الا أن نسميه الأدب النسوي ، فقد عمدت الكثير من الكاتبات – بحيث شكلن ظاهرة لا يمكن نكرانها- الى حصر اهتمامهن بقضايا ذات مساس شديد بحياة المرأة ومحيطها الاجتماعي ، فنحن لا يمكن أن نتغافل عن نوال السعداوي واحلام مستغاني وليلى العثمان وغيرهن ، والعشرات وربما المئات من القاصات والشاعرات ، اللواتي رحن يكتبن عن قضايا المرأة التي كانت الى حد قريب (تابو ) يحرم على الأديبات الخوض فيه ، مثل قضايا العنف ضد المرأة والزواج المبكر والتمييز وجرائم الشرف ، بل اننا نلمس في السنوات الثلاث الأخيرة زيادة واضحة في عدد الأديبات اللواتي تجرأن على معالجة شؤون أكثر حساسية مثل الخيانة الزوجية والسلوك الجنسي الشاذ والمشاعر الحقيقية للمرأة عندما تحب وعندما تكره ، اذ لم تعد مثل هذه القضايا تطرح كما يراها الرجال.
في العراق مثلا يمكن أن نشير الى أن نصوصا مثل قصص ايناس البدران وقصص ومقالات رحاب الهندي وقصائد آمنة عبد العزيز لا يمكن أن تفهم الا في إطار مصطلح الأدب النسوي ، فالقارئ يشعر بحدة أن كاتب هذا النص امرأة ولا يمكن أن يكون رجلا.
ومن المؤكد والحالة هذه أن تينك الأديبات طورن تكنيكاتهن الخاصة التي تلائم أدبهن المميز ، ومن هنا أصبح من الضروري بحث الأدب النسوي من الناحية الفنية للوقوف على سماته وابتكار المنضومة الاصطلاحية القادرة على التعامل معه.